للحق * للحقيقة.......سمير جعجع
أنا من عائلة فقيرة الى حد العدم الكلي ، ففي بيت مؤلف من غرفة واحدة ، تكون الصالون
وغرفة النوم والاستقبال ، مساحتها 15 مترا مربعا ولدت . كان الحمام يبعد عن البيت 25 متر
في بشري لم نكن نملك سوى القليل من الرزق والأرض . إطار منزل ولادتي كان فقيرا جدا
فلا بيت حارة المجادلة كان بيتا ، ولا بيت بشري كان هو الأخر بيتا ، شبه بيت كنا نعيش
فيه ، لكنها حياة مسيحية سعيدة وراضية . عائلتي من العائلات المارونية الممارسة للطقوس
بشكل حرفي : الصلاة في الصباح وفي المساء ، القداس نهار الأحد تحضره العائلة مجتمعة
صلاة المساء نحضرها سويا . اول وآخر كلمة أسمعها في النهار هي الأبانا والسلام . كنت
أغفو على يدي والدي وهو يتلو صلا ته للسيدة العذراء ، وأستيقظ لأجد والدتي وبيديها مسبحة
الوردية ، تتلوها وتدعونا لمشاركتها فيها . أول مدرسة لنا في مآوى العجزة الماروني . وثاني
مدرسة في فرن الشباك ، وكانت هذه المدرسة خاصة ومجانية ، هذا الشريط السريع يصلح تماما
قاعدة لكتابة رواية حياة . ففيه نموذج من مئات النماذج التي عرفتها بيروت الخمسينات ، لعائلات
مسيحية تأسست في الجبال وحملت طموحاتها الى المدينة ، ساعية الى ترجمتها ، فنجحت أعداد
منها ، وفشلت أخرى ، وبين النجاح والفشل درجات ونسب . عائلة فريد جعجع ، المكونة من اب
وأم وصبيين وبنت هي الصغرى ، تنتمي الى فئة العائلات العصامية الناجحة . فرب الأسرة الجندي
بلغ رتبة معاون أول في السلك العسكري ، الرتبة الأعلى الممكنة لعسكري الصف ، لسنوات خلت
الأولاد تربوا تربية مسيحية بديهية ، ودفعوا الى العلم بهاجس الترقي الذي يعرفه جيدا ابناء الجبل
والسهل : سهرا وكدا متواصلين ، حتى بلوغ الجامعة ، على رغم الصعوبات المالية ، وربما بسببها
والبيت المتواضع غدا فسيحا ومقبولا قبيل سن المراهقة . والمدرسة غدت رسمية سريعا ، الى
إنتهاء المرحلة الثانوية . والمنحة أمنت دخول الجامعة . وصار للعائلة بيت خاص بها في بشري
بنته بقرش التوفير الذي يعرفه جيدا كذلك ، ابناء الجبل والسهل . كل ذلك في إطار من حزم الأبوة
وحنان الأمومة وتفهمها وتوازن إيماني سمح بين الزوجين ، وبينهما وبين الأولاد ، وبين هؤلاء . إلى
هنا نكون قد دخلنا دوائر توسيع الكتابة الروائية بتناول عناصر اساسية فيها ، تفتح الباب أمام تحديد
الأشخاص والمضي في تفاصيل الثابت والمتحرك لدى هؤلاء الأشخاص وما يحيط بهم ، وتفاعلاتهم
الداخلية والخارجية . ونأخذ مثالا الأبن الأوسط سمير . غالبا ما تقوى الأوضاع المادية الصعبة
وعنفوان الطموح ملكات الأحاسيس لدى العصاميين ، قوة الملاحظة ، والرغبة في المعرفة ، وحدة
الذاكرة ، وجموح الخيال ، إلى عاطفة فيها الكثير من خفر التعبير ، وقيم الإيمان ، وسيما المسيحي
سمير جعجع يملك أشياء كثيرة من هذه الصفات ، تشكل محاور منفتحة على بعضها بعضا في شخصيته
منذ الصغر . وهو يروي أنه عندما كان يعتقد بأن هناك لصا ما داخل البيت ، ويتقدم نحو مصدر الصوت
كنت أفكر كم عليه أن يشعر بألخجل من هذا الموقف ، وأخجل منه قبل الوصول إليه . وفي ذروة معارك
الشوف وعاليه ، ذهبت الى رشميا وإتصلت بأمي من هناك فقالت لي : إنتبه على حالك وعلى المدنيين
وعالعسكر اللي معك . وفي هاتين المحطتين ، دليل رهافة وإفرادية يسمح لنا بولوج عالم سمير جعجع
كصاحب فكر شمولي ، قد تكون مراقبته من خلال مواضيعه إحدى الوسائل الفضلى لفهمه
*****